الانطلاق من الأولويات السليمة في التربية

أهداف التربية وأولوياتها: يعتقد 99% من البشر أنهم مؤهلون للتربية لمجرد أنهم مؤهلون بيولوجيًّا لإنجاب الأطفال ومؤهلون ماديًّا لتنشئتهم. ومع تقدّم العلوم- خصوصًا تلك المتعلقة بتربية الأطفال- أخذ الأهل هذا الاعتقاد الواهم ووضعوا الآمال والأهداف الخاصة بتربية أبنائهم؛ فأصبح الأطفال محل الاهتمام الأول وأضحوا هُم الكواكب المنيرة التي يدور في فلكها الأهل. ومع الوقت، ومع الاهتمام الزائد، أصبحت مهمة تربية الأطفال مهمة أصعب وأصعب، وكذلك أكثر كلفة وعناء، ووصلنا إلى ما وصلنا إليه: أهل منهكون وأطفال محاطون بالمشكلات؛ فلقد نسينا الهدف!

ما هو هدف التربية؟ هدف التربية هو تنشئة أطفال أسوياء سعداء وأصحاء فقط، لا أكثر ولا أقل. ليس الهدف تنشئة نوابغ، وليس الهدف تنشئة أطفال أفضل من أطفال الجيران، وليس الهدف تنشئة أطفال كالذين يظهرون في الكتب؛ إن هدف التربية هو تنشئة أطفال أسوياء أخلاقيًّا، سعداء وأصحَّاء، ثم إخراجهم لحياتهم الخاصة والناجحة، بناء على قواعد دين الله سبحانه وتعالى الواردة في كتابه الكريم وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم.

إن مكمن المشكلة الأساسية في التربية هو نسيان الأزواج أنهم أصحاب الأولوية في الحياة العائلية، إنهم هم رقم واحد في الأسرة وليس الأولاد. إنه كلَّما كان التركيز أكبر على الأب والأم وجودة علاقتهما وأهمية رحلتهما المشتركة، كانت النتائج ممتازة لهما وللأطفال. والعكس صحيح، فكلَّما كان التركيز أكبر على الأطفال وأمورهم الشخصية وكأنهم محور العائلة الرئيسي، كانت حياتهم وحياة أهلهم أكثر بؤسًا وشقاءً.

مبادئ الأولويات السليمة في التربية :

  • المبدأ الأول: يقول بأن الزوج والزوجة هما الأساس في العلاقة، وأنهما إذا أحسن كل منهما علاقته بالآخر كما نص الدين، فإن كل الأمور الأخرى ستعتني بنفسها (بما فيها أمور الأطفال وتربيتهم).
  • المبدأ الثاني: يقول بأن الأطفال مؤهلين فطريًّا للحصول على مستوى اهتمام عادي والنمو بصورة ممتازة تلقائيًّا (وأي اهتمام زائد يؤذيهم أكثر ممَّا ينفعهم).

إذا تذكّرنا الأيام الماضية، قبل الثورة المعلوماتية وتعقّد الحياة، نجد أن الناس كانوا يُنجبون عددًا كبيرًا من الأولاد، وكانوا يستمرّون في حياتهم بمنتهى الهدوء وأقل قدر من الاهتمام بالأولاد، وأكبر قدر من الاهتمام بحياتهم الزوجية (كما نص الإسلام على ذلك)، وكان الأولاد يكبرون في أحسن صحة وحال والتزام وأخلاق. وحتى وقت قريب كان مثل هؤلاء الأهل هُم الخبراء حقًّا في التربية كما يجب أن تكون. ثم جاء التقدُّم (أو بالأحرى التأخُّر) العلمي وجعل الأطفال هم محور الحياة، وفرض على الأهل وضعهم موضع الصدارة من أجل إسعادهم وتدليلهم وجعلهم الأفضل؛ وبطبيعة الحال كانت النتائج مأساوية.

إن التفكير السليم يقول بأن العلاقة الزوجية هي الأهم، وأنه ما دام الزوجان ملتزمين دينيًّا، ومرشدين لأطفالهم أخلاقيًّا، فإن الأسرة بجميع أفرادها أسرة ناجحة.

فيما يأتي ذكر لأهم عواقب التفكير التربوي الخاطئ:

  • كلَّما تعاملت مع طفلك باحترام كفرد مساو لك قلّ احترامه لك؛ لأنه يُريد السلطة منك.
  • كلَّما تحلّيت بالعدل والحرية مع طفلك زاد طغيانه عليك؛ لأنه يريدك حازمًا وحاكمًا.
  • كلَّما مارست انضباطًا أقل مع طفلك زاد انفلاته؛ لأنه يُريدك مسيطرًا عليه.
  • كلَّما زاد قلقك على ابنك زاد تعب أعصابك أنت وزاد هو سوءًا؛ لشعوره بعجزك.
  • كلَّما وضعت طفلك في مركز الصدارة ضمنت أن تجعله مخادعًا وطمّاعًا ومستغلًّا.
  • كلَّما وضعت طفلك في مركز الصدارة ضمنت أن تجعله متواكلًا ومؤمنًا بحريته التامة.
  • كلَّما وضعت طفلك في مركز الصدارة ضمنت أن تجعله مستهترًا ومعتقدًا أنك خادمه الأبدي.
  • كلَّما وضعت طفلك في مركز الصدارة ضمنت أن تحيا أنت وزوجك وأطفالك في منتهى التعاسة.

بقيت هناك نقطة أخرى توضِّح كيفية تأثُّر الطفل أثناء نشأته من العوامل الخارجية. إن الطفل تتأثَّر معتقداته من 3 مصادر:

  • الأهل: إن الآباء هم المؤثِّر الأول في حياة الطفل وتشكيل معتقداته.
  • الأقران: الأصدقاء والمعارف في ذات السن يُعتبرون مؤثِّر قوي جدًا كذلك.
  • البيئة: المعني ها هنا المنزل والمدرسة وأي مكان يُمارس الطفل فيه نشاطًا.

إذا عملت على تغيير المدخلات (الأهل- الأقران من خلال انتقائهم ومراقبتهم- البيئة من خلال تحديدها قدر الاستطاعة) فإنه بإذن الله ستتغيِّر المخرجات (معتقدات الطفل) وبالتالي سلوكه (عاداته ومصيره). إن ذلك يتطلَّب قدرًا كبيرًا من المسئولية من جانب الآباء واجتهادًا في الزراعة من أجل الحصاد.

Scroll to Top