عادة ما تبدأ علاقات الحب الزوجية بالكثير من الأمل والمحبة، ومع مرور الأيام تقل المشاعر الطيبة ويصاب الطرفان بالتنميل (أي التخدير) العاطفي، ويعتقدان أن قطع العلاقة هو أمر لا مفر منه فيكون الطلاق، أو يؤمنان بأن ما بينهما من فتور دائم هو شيء طبيعي ويستمران في العلاقة الزوجية من أجل الأولاد، وهاهنا يلعب كل منهما دور المسكين المضحّي بذاته من أجل الغير.
إن الوقوع في الحب بعد الزواج مباشرة أمر سهل، لكن الاستمرار فيه بعد ذلك ليس بهذه السهولة، والجميع يتمنون العيش بسعادة طوال الحياة، لكنهم لا يبذلون الجهد اللازم لتحقيق ذلك، فتبدأ المعاناة وتحدث الآلام. لقد أظهرت الإحصاءات الحديثة حول العالم ارتفاع نسب الطلاق، كما أظهرت أيضًا أنه كلما ارتفع الدخل زادت نسبة الطلاق، مما يؤكِّد أن الحل لا يكمُن في الماديات (وهي سبب الخلاف الأول).
إن الحل يكمُن في اتباع كتاب الله عز وجل وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيهما الحكمة والرشاد والهدى، والبداية تكمن في الإيمان العلمي والعملي. ومن باب الأخذ بالأسباب، فإن بذل الجهد لتعلُّم مهارات الذكاء العاطفي من أجل فهم مشاعرنا ومشاعر شريك حياتنا، سيجعلنا نجد الحب المدفون ونُعيد إحياءه مرة أخرى. يجب فقط أن نعلم بأن الحب وحده لا يكفي، وأنه لا بد من وجود أفعال داعمة لاستمرار وتنمية هذا الحب، فالبيوت لا تُبنى على الحب وحده، ولكن على الأفعال والكلمات الطيّبة، قال سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21]. إن العاطفة شيء قوي للغاية، فهي قد تبني ناطحات السحاب في عام، وتهدّها في لحظة؛ لذا يجب دائمًا استخدام العاطفة بذكاء، وتلجيمها بالعقل، ليكون الخير كله.
إن التحدّي الحقيقي الذي يواجه العلاقة الزوجية العاطفية يكمُن في تعلُّم الطُرق اللازمة لنشعر بالحب في جميع الأوقات، في ذات الوقت الذي نتقبَّل فيه الشعور بالألم أو بالصعوبات ما بين الحين والآخر.
إننا كبشر لدينا احتياجات روحانية، وعاطفية، وعقلية، وبدنية، وإذا لم نُعْطِ الاحتياج الروحاني ما يلزمه فإننا لن نهنأ على أي صعيد آخر أبدًا. إن الحب الروحاني هو مصدر الحب الأول، وهو الحب الذي يأتي بناء على حب الله عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم، ثم الوالدة، ثم الوالد، ثم من يليهم. فإذا ما أعطى المؤمن حبه لله عز وجل وللرسول صلى الله عليه وسلم، كانت أفعاله متوافقة مع أحكام دين الله، وشعر في نفسه بالاطمئنان وقبول الذات، مع عدم الرضا عنها بالطبع؛ لأنه مستمر في اجتهاده طوال حياته الدنيا لينال مرضاة الله عز وجل.
إن عدم مرور الشخص بهذه المراحل الطبيعية لتلبية احتياجه الروحاني، يعني أنه سيشعُر دائمًا بوجود نقص ما في حياته، مهما حقَّق من نجاحات مادية وأدبية وعائلية؛ لأنه في الحقيقة سيكون غير قابل لذاته. والشخص عندما لا يقبل ذاته، فإنه لن يقبل تلقِّي الحب من الآخرين؛ لشعوره الكامن بأنه لا يستحقه، وأنه غير مؤهَّل له حقًّا. إذن فالحل هو في اتّباع أحكام الله عز وجل وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم لتحقيق التوازن الشخصي وقبول الذات، تمهيدًا لعلاقات عاطفية زوجية سليمة.
إن الشخص المؤمن الذي يتقبَّل ذاته ويجتهد دومًا لإصلاحها وتجنيبها السوء، هو شخص يثق بالله ويتوكَّل عليه؛ لذا فهو يقدِّر مواهبه التي وهبه الله، ويستهدف الأهداف الطيّبة لتطويعها، ويُظهر شخصيته كما هي بدون تجميل، ويعبِّر عن ذاته بتوازن وانفتاح، ويسعى دائمًا ليكون متطوِّرًا. إن مثل هذا الشخص يكون ذكيًّا عاطفيًّا بحق، ومؤهلًا لإرسال واستقبال المشاعر الطيّبة.