صفات الأهالي الناجحين في حل المشكلات

قال سقراط عام 390 قبل الميلاد: “يحب الأطفال وسائل رفاهيتهم في الوقت الحاضر، مما ينتج عنه أنماط سلوكية تنمّ عن ازدرائهم للخبرة وإظهارهم لعدم احترام من هم أكبر سنًّا؛ إنهم الآن طغاة مستبدون، ليسوا خاضعين لعائلاتهم، وهم يناقضون آباءهم، ويستبدُّون بمدرسيهم”.

ما أشبه الليلة بالبارحة! وما أشبه بعد الميلاد بما قبل الميلاد! المشكلة ليست في سلوك الأبناء، لكنها تكمن في سلوك الآباء المشوّش، الذي أدى بدوره إلى سلوك الأطفال الخاطئ. وحقيقة الأمر أنه بتغيير سلوك الآباء سيتغيَّر سلوك الأبناء وتختفي الكثير من المشكلات وينعم الجميع. وفى كتاب الله عز وجل وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم كل الإرشادات للتربية القويمة، والرحيمة، والسليمة.

إن تربية الأطفال ذوي السلوك القويم ليس بالأمر السهل، فالعديد من الأهالي يفشلون في أداء تلك المهمة، ولا يرجع ذلك لقلة حبهم لأبنائهم، ولكن يرجع إلى أنهم متناقضون مع أنفسهم ولا يعلمون ماذا يريدون تحديدًا، فهم يوجِّهون التحذيرات الواهية والفاقدة للمصداقية، ويتفوَّهون بما لا يقصدون، ويتَّصفون بنفاد الصبر، ويعاقبون انطلاقًا من الغضب ولا شيء غيره. هؤلاء هم الأهل لا ينجحون في الحقيقة؛ لسلبيتهم وضعفهم الشخصي في تحمُّل المسئولية، فهم يريدون الطرق الأقصر والأقل مقاومة، وهذا لا يمكن أن يتوافر عندما يتعلَّق الأمر بحل مشكلات تربية الأبناء.

أما الأهالي الناجحون فإنهم يعلمون أن ضبط وتقويم سلوك أولادهم يعتمد على قدرتهم هم كآباء في ضبط وتقويم سلوكهم الشخصي. إنهم يركِّزون على تنمية الإيجابيات، والتعامل بتعقُّل وهدوء مع السلبيات، وهم يعلِّمون أولادهم أن يتدبَّروا أمورهم بأنفسهم وكيفية ضبط أنفسهم. والآباء الناجحون يطوِّرون من أساليبهم باستمرار؛ نتيجة لتفاعلهم مع سلوكيات أولادهم وقراءاتهم المستمرة وذهنهم المتفتِّح.

إنهم كذلك أذكياء؛ فهم يتوقَّعون المشكلات قبل حدوثها، ويستعدُّون لمعالجتها عن طريق إعداد خطوات ثابتة سلفًا، وهم في كل ذلك حازمون، ويعلمون أن الفوائد يتم حصادها بالصبر والعمل على المدى الطويل وليس القصير.

يقوم الآباء الناجحون باستخدام العقاب الذي يؤدِّب ويقدِّم القيمة، وذلك من دون الإحساس بأدنى شعور بالذنب. إنهم يُدركون أن العقاب وسيلة ناجحة جدَّا لتقويم سلوك الأبناء، بعيدًا عن اللجوء للخوض في المناقشات العقيمة، أو تكبُّد معاناة الإقناع لهؤلاء الذين لا يرون إلا وجهة نظرهم.

يعلم الآباء الناجحون أيضًا أن الحب وحده لا يكفي للحصول على نتائج مُرضية. وللأسف، فإن الغالبية العظمى من الأهالي لديهم اعتقاد خاطئ بأنهم إذا ما أحبوا أولادهم إلى أبعد مدى، وأصروا على ذلك باستماتة، وأضافوا إليه اعتقادهم الواهي بأن أولادهم طيبون من الداخل، وأنهم أفضل الأولاد في العالم، فإن ذلك الحب سوف يُحسِّن – تلقائيًّا وبصورة فلكية – من سلوك أولادهم السيئ يومًا ما. لكن هذا خطأ، فالمعرفة بما هو صحيح مع ممارسة التقويم شيء ضروري بجانب الحب، لأن الحب وحده مع الجهل والتسيب لا يربِّي أولادًا أسوياء؛ لذا فالآباء الناجحون يسعون دومًا للمعرفة والتصرف بحكمة فيما يخص مسائل تربية أبنائهم.

إن الآباء العقلاء يعلمون أن عملية تربية الأبناء هي عملية مستمرة، وأن تغيير العادات التي ينتُج عنها سلوكيات غير مرغوبة، هي عملية تستغرق وقتًا وجهدًا؛ لذا فهم – كآباء – يتحلَّون بالصبر والشجاعة ليجرِّبوا وسيلة ما، ثم ينتظرون، ثم برضا ينتقلون إلى وسيلة أخرى، وهكذا دواليك حتى يحقِّقوا أهدافهم في تنشئة أبناء أسوياء، سعداء وأصحاء.

أخيرًا، فإن الآباء الناجحين يعلمون أن التأديب لا يعني السيطرة والتحكُّم في سلوك الطفل، ولكنه يعني تمكينه وتعويده على اختيار السلوك الصحيح بنفسه، مما يزيد من إدراكه لما يفعله ومسئوليته تجاهه، وهذا بدوره يُريح الأهل الأذكياء الذين يريدون النتيجة السوية على المدى الطويل.

بالطبع، فإن السيطرة والتحكُّم ضروريان في مواقف عديدة عند صغار الأطفال، ولكن الأهل تدريجيًّا ينقلون الأولاد من تحكُّمهم هم إلى تحمُّل الأطفال مسئولية التفكير واختيار السلوك المناسب بأنفسهم، وذلك حتى سن الثانية عشرة تقريبًا، تمهيدًا لرحلة هادئة وعلاقة طيِّبة عند بلوغهم.

Scroll to Top