مشكلة تملُّك الأهل للأطفال وحلها

إن الأهل – مع إعطائهم الحب والحنان لأولادهم – قد يختلط عليهم الأمر فيعتقدون أن الولد وسيلة شخصية لإتمام أهدافهم في هذه الحياة، فيميلون إلى امتلاك الولد، أو على الأقل محاولة امتلاكه، مما يؤذي جميع الأطراف.

يتمثَّل الموقف التربوي السليم في استهداف تأهيل الطفل لتحقيق ذاته والاستقلال بها عند بلوغه، ويظهر ذلك في دعمه منذ الصغر وإطلاقه بدلًا من تقييده.

إن فكرة امتلاك الطفل قد تظهر عندك أو عند شريك حياتك بصور متعددة، وهذه هي المواقف التي يجب عليك التفتيش عن أعراضها، لديك ولدى الطفل، ومواجهتها لكي تتحرّر منها:

  • اتّخاذ الولد وسيلةً لإشعارك بأهميتك في هذه الحياة وفي حياة ولدك على وجه التحديد، مما يجعلك تقاوم لاشعوريًّا أدنى تصرّف ينم عن استقلال الولد، وتدعم لاشعوريًّا أيضًا أي تصرّف ينمّي فقدانه للمسئولية. فرهبته الاجتماعية تصبح عقلانية، وتبعيته العمياء تصبح طاعة، وخجله يصبح تأدبًا، وبلادته تصبح هدوءًا، وسلبيته تصبح طيبة. إن الحماية الزائدة تؤدى إلى فقدان الولد مسئوليته واعتماده على والده بصورة غير طبيعية في كل خطوة، سواء ماديًّا أو أدبيًّا.
  • اتّخاذ الولد وسيلةً لممارسة تسلّطك على من هو أضعف منك، ومن أضعف من ولدك؟ فأمام هذا العالم الذي لا يترك لك الفرصة لتسيطر على عملك، أو حياتك، أو علاقاتك، قد تجد السيطرة على ابنك عملًا في غاية المتعة ويمنحك الشعور بالقوة الفورية. فتكون النتيجة الرضا الآن عن ابنك، ثم السخط لاحقًا على اهتزاز شخصيته وقراراته.
  • اتّخاذ الولد وسيلة لتحقيق ما كنت ترغب أنت في تحقيقه في شبابك، مثل دخول جامعة معينة، أو العمل في مجال محدّد، أو الحصول على درجة علمية رفيعة، مع عدم احترام رغبات أو ميول الطفل نفسه. هاهنا يدفع الطفل ثمن ذنب لم يرتكبه، ويكون ضحية فكر طفولي من الوالد نفسه، حيث يُريد الوالد حل عقده المتأصّلة من خلال ابنه بدون أن يحلّها هو نفسه. والنتيجة هي إصابة الطرفين بخيبة أمل في النهاية.
  • استخدام الولد أداةً في الخلافات مع شريك حياتك، حيث تراه كامتداد لصورتك وتفكيرك ومواقفك. إن الطفل يتأذّى بصورة كبيرة من هذا الاستخدام، حيث يتمزّق بين حبه لأبيه وأمه، وقطعًا فإن تدخّله لن يحل أية مشكلة، ولن يمثّل إلا الإساءة للطرف الآخر، وتكون النتيجة تشويه العلاقات الأسرية وزيادة الشعور بالذنب.
  • استخدام الولد لتخليد ذكراك، فتقرر له كل شيء في حياته اللاحقة كخليفة لك في المسكن والعمل والحياة، متجاهلًا تمامًا ميوله وحياته الخاصة به. وتكون النتيجة السخط الخفي في الحاضر والفشل في المستقبل.

إن الموقف السليم للمربّين الأسوياء هو موقف إطلاق الأولاد لهذه الحياة كأولاد أسوياء، أصحاء وسعداء، وكأفراد مستعدين لمواجهة هذه الحياة بكل ما فيها، وفقًا لطباعهم وميولهم.

عليك بعمل الآتي لتكون حقًّا من الأهل الذين يعتبرون سعادة أطفالهم وصلاحهم لله غاية في حد ذاتها:

  • اعمل دومًا على التعامل مع أبنائك وفقًا لتوجيهات كتاب الله عز وجل وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ففيهما الميزان الدقيق والتوجيه السليم لكيفية التعامل معهم صغارًا وكبارًا.
  • اجعل حبّك يُطلق بدلًا من أن يقيّد، وربِّ طفلك لكي يترعرع في كنفك مؤقَّتًا لا ليبقى فيه للأبد، ربِّه لينطلق في الحياة ويكوّن نفسه بنفسه. أيقظ في ولدك روح المبادرة دائمًا ونمِّ عنده روح المسئولية ليجعل أحلامه واقعًا.
  • حرّر حبّك من كل مظاهر الاستئثار بابنك لنفسك، أو لتحقيق طموحاتك، أو لجعلك سعيدًا، واستمتع به حرًّا وطليقًا، واسعد بما يُسعده هو ذاته.
  • اتّخذ تحرّرك من طفلك، وتحرّر طفلك منك عند بلوغه، خطوة للتطوّر وإتمام النضج العاطفي التام عنده وعندك. لا يعني ذلك عدم احتياج ابنك لك أو لحبّك، إنما يعني ذلك التحرّر منك والارتباط بك في الوقت ذاته، فهذا هو حب الراشدين العقلاء.
  • مع اقتراب سن بلوغ الطفل، مهِّد لنوع جديد من الحب والتواصل القائمين على الاحترام والتقدير، لا القائمين على الحاجة والسلطة. جد الفرص لتتواصلوا بحب وتلقائية من دون أن يكون ذلك واجبًا أو فرضًا، ونمِّ فرص التقدير المشترك.
Scroll to Top