في أواخر الأربعينيات بدأت جهات بحثية بولاية أوهايو الأمريكية في التركيز على سلوك القادة من وجهة نظر مرءوسيهم، من خلال هذه الدراسات تم اكتشاف نمطين للقيادة، وهما القيادة من خلال هيكل العمل، والقيادة من خلال الاعتبارات الإنسانية.
القيادة من خلال هيكل العمل مبنية على رسم القائد لنفسه إطارًا، ومن خلال هذا الإطار فإنه يحدد القواعد التي سيطبقها على مرءوسيه، وكذلك المهام المطلوب منهم إنجازها. في هذا النمط يتدخل القائد في تفصيلات العمل، ويحدد كيفية الأداء، ويضع معايير الأداء، ويطلب دومًا إبلاغه بكافة التطورات.
أما القيادة من خلال الاعتبارات الإنسانية فهي مبنية على احترام مشاعر وأحاسيس المرءوسين، بحيث يتم التعامل معهم كزملاء عمل لا كتابعين. في هذا النمط يهتم القائد بالروح المعنوية العالية لأفراد المؤسسة، ويعطيهم الحرية الكافية للتعبير عن آرائهم، ويشجعهم على تنمية الابتكار.
انتهت هذه الدارسة إلى إن القائد الفعال هو الذي يجمع بين النمطين السابقين، حيث إنه بالمزج بينهما يمكن تحقيق عائد إيجابي كبير للمؤسسة.
بعدها قامت جامعة مشيجان الأمريكية بعمل دراسات مشابهة للتعرف على السلوك القيادي في المؤسسات ذات الإنتاجية المرتفعة، ومقارنتها بالسلوك القيادي في المؤسسات ذات الإنتاجية المنخفضة. نتج عن هذه المقارنة الوصول إلي نمطين للقيادة، وهما أيضًا القيادة من خلال هيكل العمل (أو السلوك القيادي الموجه بالإنتاج)، والقيادة من خلال الاعتبارات الإنسانية (أو السلوك القيادي الموجه بالعاملين).
لاحقًا وبناءً على دراسات أوهايو وجامعة مشيجان أعلاه، قام الباحثان بليك وموتون بتطوير منظومة شبكية لأنماط القيادة تعتمد على نفس الأبعاد. هذه الشبكة محورها الأفقي يمثل النمط المهتم بالإنتاج، ويشتمل على (9) أوضاع ممكنة، بينما يمثل محورها الرأسي النمط المهتم بالأفراد، ويشتمل بدوره على (9) أوضاع ممكنة أيضًا، بذلك تحمل خلايا الشبكة (81) وضعًا محتملًا ناجمًا عن تقاطع الأعمدة مع الصفوف (9×9).
ركز الباحثان فقط على خمسة أنماط للقيادة يحتوي كل نمط منها على تركيز مختلف من بُعدي القيادة الرأسي والأفقي على النحو التالي:
- القيادة المنسحبة، وتمثلها الخلية (1.1): تشير إلى درجة منخفضة جدًّا من الاهتمام بالإنتاج والأفراد. يتصف سلوك هذا القائد ببذله أقل مجهود ممكن في إدارة العمل، حيث يتنازل طواعية عن سلطاته وحقوقه وواجباته.
- القيادة الإذعانية، وتمثلها الخلية (1.9) : تشير إلى درجة مرتفعة جدًّا في الاهتمام بالإنتاج، ودرجة منخفضة في الاهتمام بالأفراد. يعتمد هذا النمط من القيادة على إذعان المرءوسين لتوجيهات القائد المهتم بكفاءة الأداء وتحقيق النتائج المُرْضية، من دون الالتفات إلى المسائل الشخصية لديهم. هذا القائد أولويته الأولى تتمثل في إنجاز العمل على أكمل وجه.
- القيادة الاجتماعية، وتمثلها الخلية (9.1) : تشير إلى درجة منخفضة من الاهتمام بالإنتاج، ودرجة مرتفعة للغاية من الاهتمام بالأفراد. يتصف القائد في هذا النمط بالسعي لتنشيط ورفع دافعية المرؤوسين، وتحقيق رضائهم في العمل، وهو يهتم ببناء العلاقات الاجتماعية بين أفراد المؤسسة كافة.
- القيادة التوازنية وتمثلها الخلية (5.5): تشير إلي درجة متوسطة الاهتمام سواء بالإنتاج أو الأفراد. يستهدف القائد في هذا النمط تحقيق التوازن بين الإنتاجية والعلاقات الإنسانية في نفس الوقت، سعيًا منه إلى تحقيق المصالح للأفراد وللمؤسسة. قد يجد القائد المستخدم لهذا النمط صعوبة في تحقيق التوازن.
- القيادة للفريق، وتمثلها الخلية (9.9): تشير إلى درجة عالية من الاهتمام بكل من الإنتاج والأفراد. يستهدف القائد في هذا النمط رفع معدلات الأداء من خلال تهيئة ظروف العمل الجيدة للموارد البشرية، بحيث يكون مستوى الرضاء الشخصي كبيرًا للدرجة التي يؤثر بها إيجابيًّا على مستوى الإنتاج. تحقيق هذا النمط والثبات عليه ليس بالشيء السهل؛ لكثرة المتغيرات والطباع الشخصية للمرءوسين.
من الانتقادات التي وجهت لدراسات المدخل السلوكي للقيادة: إغفالها لعدد من المتغيرات شديدة التأثير على الفاعلية الإدارية، مثل القدرات الذهنية والمهارية للمرءوسين، ونوعية المهام التي يقومون بها، ونوعية الحوافز المتاحة لهم، وأيضًا المتغيرات الموقفية التي يتم ممارسة العملية القيادية في ظلها؛ لأنه ليس كل نمط للقيادة صالح لكل المواقف أو لكل المؤسسات.